بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
اختلف العلماء في تحية المسجد ، فعند المالكية والحنفية لا تصلى وقت الخطبة، لقوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا)، فقد روي أنها في خطبة الجمعة في أحد وجوه تفسيرها ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ) ، فإذا امتنع أمر اللاغي بالإنصات وقت الخطبة مع قصر زمنه ، فمنع التشاغل بالتحية مع طول زمنها أولى ، وقد تعزز هذا بعمل الخلفاء وجمهور السلف من الصحابة والتابعين كما تقدم ، ففي الموطأ عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي: (أَنَّهُمْ كَانُوا في زَمَانِ عُمَرَ بن الخَطَّابِ يُصَلُّونَ يَوْمَ الجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ ، فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ وَأَذَّنَ المُؤَذِّنُونَ، قَالَ ثَعْلَبَةُ : جَلَسْنَا ...) . ـ ولما كان العمل عند علماء المالكية من أقوى الحجج تأوَّلوا ماجاء في الصحيح عن جابر: (جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ يَا فُلانُ ؟ قَالَ: لا ، قَالَ: قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ) ، فقالوا هذه خصوصية لهذا الرجل ، وهو سُليك الغطفاني ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد حين أمره بالصلاة أن يوجه انتباه الناس إليه ، ليتصدقوا عليه ، فقد ورد أن هذا الرجل كان فقيرا ، في هيئة بذة ، ويدل على ذلك أنه ورد في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كرر الأمر له ثلاث مرات ، في ثلاث جمع متتالية ، ولم يجئ أنه صلى الله عليه وسلم أمر غيره بمثل ذلك ، بل قال للرجل الآخر الذي رآه يتخطى الأعناق وقت الخطبة: (اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ) ، ولم يأمره بالتحية.