عرف قدماء المصريين الشعوبالتي تقطن إلى الغرب من مصر بالليبيين . كانت القبيلة الليبية التي تعيش في المنطقةالمتاخمة لمصر هي قبيلة الليبو (LIBU) والتي غير معروف أصلها بالتحديد حيث يرجح بعضالعلماء أنهم من شعوب البحر المتوسط. وقد ورد ذكر هذه القبيلة لأول مرة في النصوصالمصرية التي تنسب إلى الملك مرنبتاح (Merneptah) من الأسرة الفرعونية التاسعة عشرة (القرن الثالث عشر ق.م.). ومن اسمها اشتق اسم ليبيا وليبيين. وقد عرف الإغريق هذاالاسم عن طريق المصريين ولكنهم أطلقوه على كل شمال أفريقيا إلى الغرب من مصر، وقدبلغ بعض القبائل درجة من القوة مكنها من دخول مصر وتكوين أسرة حاكمة هي الأسرةالثانية والعشرون، التي حكمت مصر قرنين (من القرن العاشر إلى القرن الثامن ق . م ) وقد استطاع مؤسس تلك الأسرة الملك شيشنق توحيد مصر، و إجتياح فلسطين. بدأ اتصالالفينيقيين بسواحل شمال أفريقيا منذ فترة مبكرة حيث سيطروا على البحر المتوسطواحتكروا تجارته وكانوا عبورهم البحر بين شواطىء الشام وإسبانيا ليجلبوا منها الفضةوالقصدير. وكانوا يبحرون بمحاذاة الساحل الغربي من خوفا من هباج البحر. فكانت سقنهمترسو على الشواطىء الليبية للتزود بما تحتاج إليه أثناء رحلاتها البحرية الطويلة . وقد أسس الفينيقيون مراكز ومحطات تجارية كثيرة على طول الطريق من الشام بالشرق إلىإسبانيا في الغرب. وعلى الرغم من كثرة هذه المراكز والمحطات التجارية لكن المدنالتي أنشأوها وأقاموا بها كانت قليلة لأنهم كانوا تجارا لا مستعمرين. وكان من أسبابإقامة المدن التي استوطنها الفينيقيون في شمال أفريقيا تزايد السكان وضيق الرقعةالزراعية في الشام(فينيقيا) وطنهم . والصراع ببلادها لغارات الآشوريين والفرس ثمالإغريق. امتد نفوذ الفينيقيين إلى حدود برقة (قورينائية). وأسسوا بعض المدن المهمةكطرابلس ولبدة، و صبراته. وقد ازدهرت تجارة الفينيقيين على الساحل الغربي من ليبياوذلك لسهولة الوصول إلى أواسط إفريقيا الغنية بمنتجاتها الثمينة كالذهب والأحجارالكريمة والعاج وخشب الأبنوس و الرقيق، وكانت أهم طرق القوافل تخرج من مدينة جرمةالتي كانت مركزا هاما لمنتجات أواسط إفريقيا التي كانت تنقلها القوافل عبر الصحراءإلى المراكز الساحلية حيث تباع للفينيقيين مقابل المواد التي كانوا يجلبونها معهم . واستمر الجرماتيون مسيطرين على سوق التجارة بليبيا أكثر من ألف سنة . كانالفينيقيون والإغريق في علاقات تجارية معهم. لمن الرومان حاولوا إخضاع الجرماتيينبالقوة للسيطرة على تجارة وسط إفريقيا. لكنهم فشلوا وهادنوا الجرماتيين . واستمروجود الفينيقيين وازداد نفوذهم في شمال إفريقيا خاصة بعد تأسيس مدينة قرطاجة في عام 814 ق.م. ). وأصبحت قرطاجة أكبر قوة سياسية وتجارية في حوض البحر المتوسط الغربي،وسادها الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي فترة طويلة . دخلت بعدها في صراعمرير مع روما لما وصلت إليه تلك المدينة الفينيقية من قوة وثراء. فشن الرومان عليهاالحروب المضنية . تكبد فيها الطرفان الكثير من الأرواح والأموال، وهي الحروب التيعرفت في التاريخ بالحروب البونية. بعدها استطاعت روما تحقيق أهدافها بتدمير قرطاجةتدميرا شاملا سنة (146 ق.م.) وأخضع الرومان كل ممتلكات قرطاجة بما فيها المدنالليبية الثلاث طرابلس ولبدة وصبراتة. أما السواحل الشرقية من ليبيا (برقة - قورينائية)، فكانت من نصيب المستعمرين الإغريق
شرق ليبيا الإغريقي
حيث أنشأ المهاجرون الإغريق علي ساحلبرقة مستعمراتهم حيث لا تبعد كثيرا عن بلادهم. وبدأ الاستعمار الإغريقي لإقليمقوريني (برقة) في القرن السابع ق . م عندما أسسوا مدينة قوريني ( شحات ) سنة (631 ق . م) وكان باتوس الأول هو أول ملك إغريقي للمدينة، و توارثت أسرته الحكم في قورينيلفترة قرنين . و لم يكن عدد المهاجرين الأوائل الإغريق كبيرا ويقدرون بحوالي مائتيرجل .و في عهد ثالث ملوك الإغريق بقوريني باتوس الثاني نزحت أعداد كبيرة منالمهاجرين الإغريق واستقرت في الإقلي . مما جعل الليبيين، يدخلون في حرب مع الإغريقمن أجل الدفاع عن وجودهم وأراضيهم التي طردهم المستعمرون منها ومنحوها للمهاجرينالجدد. وعلى الرغم من طول فترة حكم أسرة باتوس الأول إلا أنها لم تشهد الاستقراربسبب الهجمات التي كانت القبائل الليبية تشنها على المستعمرات الإغريقية في المنطقةالساحلية. ،في عهد أركيسيلاوس الثاني _ رابع ملوك قوريني _ ترك بعض الإغريق مدينةقوريني ليؤسسوا مع الليبيين مدينة برقة (المرج) . ولما ازداد عدد المهاجرين الذينأتوا إلى مدينة قوريني .أرسلت تلك المدينة بعضا منهم لإنشاء بعض المحلات ( المساكن) القريبة من الشاطىءالتي كانت من بينها المحلة التي أنشئت مكانها طوخيرة (توكرة). وأسست مستعمرة أخرى هي مدينة يوهسيبريديس (بنغازي). وكما كان لقوريني ميناءأبولونيا (سوسة)، فإن مدينة برقة هي الأخرى أنشأت ميناء لها في موقع بطولميس (طلميثة) .وعندما احتل الفرس مصر، بعث ملك قوريني سفارة إلى الملك الفارسي معلناخضوع إقليم قورينائية . واستمرت تبعية الإقليم لمصر وواليها الفارسي وان كانت فيالغالب تبعية اسمية. وفي 440 ق.م. قتل أركيسيلاوس الرابع، آخر ملوك أسرة باتوس، فييوهسيبريديس، وأصبحت قورينائية تضم مدنا مستقلة عن بعضها البعض وعانى الإقليم منالاضطرابات السياسية، وازدياد خطر هجمات القبائل الليبية و كانت تلك المدن تتصارعفيما بينها إلى أن غزا الإسكندر المقدوني مصر (332 ق .م.) واستولى البطالمة الذينخلفوه في حكم مصر على إقليم قورينائية (332 ق.م.). و ساد به الهدوء النسبي وأصبحتمدن الإقليم تعرف جميعا باسم بنتابوليس، أي أرض المدن الخمس حبث تكون اتحاد إقليمييضمها ويتمتع بالاستقلال الداخلي. وبقيت قورينائية تحت الحكم البطلمي حتى تنازلعنها لروما سنة (96 ق.م.)
ليبيا الرومانية
الامبراطورية الرومانية
صار الإقليم تحت رعاية مجلس الشيوخ (السينت) بروما وكان مع كريت ولاية رومانية واحدة إلى أن فصلهما الإمبراطوردقلديانوس في نهاية القرن الثالث الميلادي. عند اعتراف الإمبراطور قسطنطين الأولبالمسيحية في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي انتشرت المسبحبة في ليبيا لكنهالم تقض على الوثنية. بمدة قرن ونصف حتى بعد أن جعل الإمبراطور ثيودوسيوس الأولالمسيحية الدين الرسمي والأوحد في الإمبراطورية في مرسوم أصدره سنة (392 ق.م.) وهذاأمر لا تختلف فيه ليبيا عن بقية أقاليم الدولة الرومانية. وكان أول أسقف لإقليمبرقة سجله التاريخ شخصا يدعى آموناس سنة (260 ق.م.) وحضر أساقفة من مدن البنتابوليسأول مؤتمر مسيحي عالمي. وهو المؤتمر الذي دعا إلى عقده الإمبراطور قسطنطين في مدينةنيقيا سنة (325 م) كان الأسقف سينسيوس القوريني أهم شخصيات الفترة المسيحية فيبرقة. تولى أسقفية طلميثة وذهب إلى البلاط الإمبراطوري في القسطنطينية على عهدالإمبراطور أركاديوس ليعرض المشاكل التي كانت تواجه الإقليم والتي كان من أهمهاالضرائب الفاحشة المفروضة على مدنه والمشكلة الرئيسية التي كانت واجهت الإقليم علىأيامه هي الدفاع ضد غزوات القبائل الليبية التي إشتدت حدتها بعد عام (332 ف) حيثقام سكان المدن والمناطق الريفية القريبة بتنظيم حرس محلي للدفاع عن أراضيهم . فالصورة التي أعطاها الأسقف سينسيوس عن الأوضاع في الإقليم دفعت كثيرا من الدارسينإلى القول بأن الحياة في البنتابوليس قد خبت نهائيا في القرن الخامس الميلادي .ولميكن الأمر يختلف بالنسبة لمدن الساحل الغربي. فبعد زوال الأسرة السيفيرية في النصفالأول من القرن الثالث الميلادي سادت الإمبراطورية حالة من الفوضى والحروب الأهليةلمدة نصف قرن. وبينما استطاعت الأقاليم الأخرى استعادة شيء من الأمن والنظام استمرتالاضطرابات تعصف بالشمال الإفريقي الأمر الذي سهل وقوعه في أيدي الوندال حيث عبرتجموع الوندال إلى شمال أفريقيا حوالي سنة (430 ق.م.) واستولت على مدن إقليم طرابلسالذي عاني الخراب والدمار علي أيديهم خراب ودمار في كل مكان يحلون فيه . وعلى الرغممن أن الإمبراطورية الرومانية قد استعادت الإقليم في القرن السادس الميلادي على عهدالإمبراطور جستينيان عندما نجح قائده بلزاريوس في طردالوندال. لكن ليبيا سواء فيإقليم برقة أو في إقليم طرابلس ظلت تعاني من جحافل الوندال وفي هذه الأثناء لاحت فيالأفق طلائع الفاتحين العرب المسلمين الذين جاءوا مع الفتح العربي الإسلامي الذي تمفي القرن السابع الميلادي. واستطاع العرب بعد فترة قصيرة من قدومهم أن يوطدوا أركانحكمهم وأن ينشروا الأمن في ربوع البلاد.
المصادر الإغريقية والرومانية والبيزنطية
خريطة هيرودوت للعالم القديم
تمتد هذه المجموعة من المصادر منذمجيء الإغريق إلى إقليم قورينائية وحتى الفتح العربي الإسلامي للمنطقة في القرنالسابع الميلادي لقد تناول تاريخ ليبيا في هذه الفترة الكثير من الكتاب والمؤرخينوالجغرافيين والفلاسفة. وسوف نعطى بعض المعلومات عن كتابات هؤلاء من خلال اتجاهاتهمالعلمية المختلفة. ولذلك اختلفت أهمية هذه المعلومات التي طرحوها حول تاريخ هذاالبلد باختلاف تخصصاتهم ومن أشهر هؤلاء:
هيرودوت ( 484 -424 ق.م. ) وكتابهالتاريخ:
يعرف الكتاب الرابع من هذا المصنف باسم الكتاب الليبي وقد تحدث في هذاالكتاب عن القبائل الليبية المتواجدة على المنطقة الممتدة من غرب منطقة وادي النيلوحتى سواحل المحيط الأطلسي بالإضافة إلى حديثه عن قورينا وشقيقاتها وبعض حوادثتاريخها.
بلينى الأكبر (23 -79 م. ) وكتابه التاريخ الطبيعي:
لقد تحدثبليني عن ليبيا في الكثير من فقرات كتابه خاصة في الكتاب الخامس والثالث عشروالتاسع عشر والثاني والعشرين وقد تحدث حديث مفصل عن نبات السيلفيوم الشهير الذييشار إليه باسم الذهب الأخضر.
ديودوروس الصقلي( 40 م.)وكتابه المكتبةالتاريخية:
لقد تحدث(ديودوروس الصقلي)في الفقرة 49 من كتابه الثالث عن ليبياوالقبائل الليبية،وعن الكثير من الظواهر الطبيعية،خاصة الغريبة منها.وقدكان(ديودوروس الصقلي) يميل إلى التحدث عن الشعوب التي جعلها موضوع تاريخه عنالجوانب الطريفة والغريبة المغلفة بالأساطير الغامضة ولذلك تختلط عنده الحقائقبالخيال اختلاطا شديدا ولكن رغم ذلك يعتبر(ديودوروس الصقلي) كاتبا ومؤرخاعظيما.
بروكوبيوس القيصري وكتابيه العمائر والحروب:
ولد(بروكوبيوس)فيقيصرية بفلسطين في نهاية القرن الخامس الميلادي وتوفى في عام 562م وقد تحدث فيكتابه العمائر عن أهم المنشآت المعمارية التي شيدت في عهد الإمبراطور (جستنيان)(527-565م.) وقد أشار في هذا الكتاب إلى بعض المنشآت التي شيدت في المدنالثلاث (لبدة أويا(طرابلس) صبراتة). وقد تحدث في كتابه الحروب عن الحملات الحربيةالتي شنت في عهد الإمبراطور(جستنيان)في فارس وأوروبا وشمال إفريقيا (545-554م.)وقدأشار أيضاً في هذا الكتاب إلى بعض الثورات التي شنها سكان المناطق الغربية من ليبياضد الوندال.
فلافيوس كريسكونيوس كوريبوس(القرن السادس الميلادي):
وهومؤرخ أكثر منه كاتب ملاحم ينسب إلى (كوريبوس) ملحمتين شعريتين: الأولى حول الحربالليبية الرومانية والتي دارت أحداثها في الفترة ما بين 546 -548 م. والثانية فيمدح الإمبراطور (جوستين الثاني) خلال عامي 566 و567 م. ينتسب الشاعر (كوريبوس) إلىمنطقة المغرب القديم من حيث الأصل والمولد ويفهم ذلك من خلال لقبه الإفريقي ويعتبرعمله الأول الحرب الليبية الرومانية أهم مصدر تاريخي عن منطقة المغرب القديم خلالالقرن السادس الميلادي وذلك لسرده وقائع تاريخية ثابتة حول الحملة البيزنطية ضدالوندال حين قرر الإمبراطور(جستنيان)(527-565م.) إعادة استعمار منطقة المغرب القديممن جديد، ورغم أن هذه الملحمة ليست كلهـا حقائق تاريخية بل تحتوى على الكثير منالخرافات والمبالغات إلا أنها تعتبر أهم مصدر بعد(هيرودوت) و(بروكوبيوس) حولالقبائل الليبية حيت أشار(كوريبوس) من خلالها إلى خصائص هذه القبائل وعاداتهاوأماكن تواجدها ووسائل حروبها وتقاليدها المعيشية والاجتماعية.
إن هذهالمصادر الكتابية التي دونت من قبل كتاب إغريق و رومان و بيزنطيين، كـانت هي الأخرىمن جانب واحد إلا أن هذه المصادر دعمت أراء هؤلاء المؤرخين عن طريق المكتشفاتالأثرية التي عثر عليها حديثاً، كالنقوش الكتابية، وبعض بقايا الإنسان خاصة البقاياالفنية كالعمارة والنحت والفخار...