ما هو الغرور ولماذا يعتبره المختصون مرضا يهدد مواهب الإنسان وإمكانياته المتعددة؟
ثم كيف يتحول هذا المرض من الحيادية الى التأثير السلبي على الشخصية المبدعة ؟.
وفي الإجابة عن ماهية الغرور يقول احد الكتّاب: دعونا نلتقط معناه من حركته في واقع الحياة.
فهذا الذي يمتلك عضلات مفتولة، ويمشي بين أقرانه وأصدقائه مزهوّاً بقوّته البدنية التي يتصوّر أنّها أكبر من قدراتهم وأعظم، وأنّهم لا يُقاسون ولا يُقارنون به.. مغرور.
وهذه التي وهبها الله جمالاً باهراً، فراحت تتبختر في مشيتها كما لو أنّها هي التي صنعت هذا الجمال، فترى أنّها أفضل الفتيات لأنّها أجملهنّ، وتقرأ في عيون الشبّان الإعجاب فيزداد افتتانها بنفسها، وكأنّها حائزة على الفضائل والمكارم كلّها.. مغرورة.
وهذا الذي يمتلك صوتاً رخيماً يرتّل به القرآن ويجوّده، فيشدّ الأسماع إليه، ويظنّ أن حنجرته مصنوعة خصيصاً له، وأنّ الآخرين حتى الذين يرتّلون ويجوّدون لا يبلغون ما بلغه من رخامة الصوت وعذوبته، فيشمخ وكأنّه هو الذي ركّب الحبال الصوتية في حنجرته كما يركّب صانع العود أوتار عوده.. مغرور.
إن مثل هؤلاء الذين يتصورون ويؤمنون بأنهم هم الذين صنعوا مواهبهم وقدراتهم وهم فقط من يتميز بهذه المواهب سوف يتعالون على الآخرين حتى يصل بهم المطاف الى الحد الذي يلغون فيه ادوار الآخرين ومواهبهم وربما دورهم في صقل موهبة هؤلاء المغرورين، وهنا يبدأ استفحال المرض الخطير ويتشكل العدو اللدود للموهبة ألا وهو الغرور المقيت.
إن علامات الغرور كثيرة ويمكن ملاحظتها في الإنسان من طبيعة سلوكه في الحياة أو في مجال عمله وأنشطته المتعددة لاسيما تلك التي لها علاقة بالجانب الإبداعي.
وفي هذا الجانب يقول احد الكتاب:
إن الذي يمتلك موهبة معيّنة في حقل معيّن فيتيه ويتبختر لأنّه يمتلك ما لا يمتلكه الآخرون وكأنّ موهبته امتياز إلهي منحه الله له دون غيره، وقد يكون موهبة ربّانية فعلاً لكنّه بدلاً من أن يرعاها ويشكرها تراه يباهي الناس بها ويرى أنّه الأفضل عند الله وأنّ لديه الحظوة عنده.. مغرور.
والتي لا تجالس الفتيات الفقيرات البائسات المعدمات، أو اللواتي لا يرتدين الملابس الفاخرة والزينة الزاهية الغالية، لأنّهنّ لسن من طبقتها، أو أنّها إذا خالطتهنّ فقد يُنظر إليها نظرة استصغار باعتبار أنّها تصاحب مَنْ هنّ دون مستواها المعيشي أو الترفي، فتنأى عنهنّ كمن يفرّ من إنسان مصاب بالجرب أو بمرض معد.. مغرورة ومتكبّرة.
إذن فعلامات هذا المرض يمكن ملاحظتها من طبيعة السلوك مع الآخرين، لكن الجانب الأخطر في هذا المجال يتضح عندما يبدأ الخطر الحقيقي للغرور بالتأثير على صاحب الموهوبة، حيث تبدأ موهبته بالضمور والتضاؤل من دون أن يتنبّه لذلك بسبب حالة الاطمئنان التي يعيشها الإنسان المغرور لأنه يؤمن بأنه وصل الى القمة وحقق ضالته وأن أحدا من أقرانه أو غيرهم لا يمكن أن يصل الى مستواه الإبداعي أو الى مرتبته، وهكذا يكون الغرور عامل ضعف للموهبة التي ستبدأ بالانحدار الى الهاوية.
والجانب الأخطر في هذا الموضوع هو عدم انتباه المبدع أو الموهوب في أي مجال من مجالات الحياة الى حالة التدهور والانحدار التي تمر بها موهبته، ولذلك غالبا ما يتنبّه المغرور الى حالته عندما تصل موهبته الى حالة الانطفاء والضمور التامين وحين ذاك سيكتشف بأن الغرور كان عدوه اللدود الذي قاده من القمة الى الحضيض.
لكن ينبغي التفريق هنا بين حالة الرضا عن النفس وهي بمثابة شعور نفسي متوازن غالبا ما يقود الإنسان الى نجاحات جديدة وبين الغرور الذي يشكل مرضا يدفع بالإنسان الى الاطمئنان على إبداعه لكنه في حقيقة الأمر ينحدر الى هاوية الضمور.
وفي هذا الجانب نقرأ لأحد الكتاب هذا القول:
إنّ شعورنا بالرضا عن إنجازاتنا وتفوّقنا مبرر إلى حدٍّ ما، لكن شعورنا بالانتفاخ لا مبرر له، فهو أشبه بالهواء الذي يدور داخل بالون، أو بالورم الذي قد يحسبه البعض سمنة العافية وما هو بالعافية، وفي ذلك يقول الشاعر:
أُعيذها نظرات منكَ صادقةً... أن تحسبَ الشحمَ فيمن شحمُه ورمُ.
منقــــــــــــــــ للفائدة ــــــــــووول